فكان صل الله عليه وسلم يعتكف في مسجده في كل رمضان عشرة أيام،
فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يوماً
كما روى ذلك أبو داود، وترك النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف مرة فقضاه في شوال،
وكان في ابتداء أمره يعتكف في العشر الأول من رمضان ثم الوسطى ثم العشر الأخيرة يلتمس ليلة القدر،
فلما تبين له أنها فيها داوم على اعتكافه فيها حتى لحق بربه عز وجل، وكان صلى الله عليه وسلم
يتخذ لنفسه خباءً في المسجد،لمزيد من التفرغ للعبادة والخلوة، وتفريغ القلب من الصوارف والشواغل.
لهذا أصبح الاعتكاف سنة لسائر المسلمين يعيشون فيه حياة ملؤها الإيمان واليقين،
مما يعينهم على الاستمرار في عمل الصالحات،
والثبات في مسيرة الحياة، ويصبح الاعتكاف للمسلم بمثابة بوصلة التصحيح التي تصوب له
سيره تجاه هدفه، فلا يغيب عنه ولا يضل.
وللاعتكاف فوائد كثيرة أهمها: زيادة الصلة الإيمانية بالله، وإخلاص العمل له،
والتفرغ لعبادته وطاعته، وتربية النفس وجهاد الهوى،
والبعد عن الصوارف والشواغل، والإكثار من أنواع العبادات التي تزكي النفس،
وتجعل المرء أكثر قدرة على مواجهة فتن الحياة،
ولهذا كان مقصود الاعتكاف وروحه كما يقول ابن القيم رحمه الله: "عكوف القلب على الله تعالى،
وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه،
بحيث يصير ذكره وحبه،والإقبال عليه في محل هموم القل وخطراته، فيستولي عليه بدلها،
ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه،
فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له،
ولا ما يُفرح به سواه،فهذا هو مقصود الاعتكاف الأعظم".
ولذا، ينبغي للمعتكف أن يراعي في اعتكافه تحصيل هذه الغايات العظيمة،
وألا يخرج من معتكفه خالي الوفاء