تحدث القرآن الكريم عن البحار وعن الأنهار بالمعنى والمصطلح المتعارف عليه لغة
عند الناس للبحار والأنهار، وكلمتا البحر والنهر واضحتان من هذه الناحية في كافة
المواضع القرآنية، وليس هناك اختلاف حول المفاهيم المتعلقة بهما.
وبمجرد النظر إلى السياق القرآني والتأمل فيه نرى أن كلمة (البحر) قد استخدمت في كافة
المواضع التي كان (البحر) مقصودا فيها بكامله وبمواصفاته وبكيانه وبحجمه وبكامل مكوناته:
ويلاحظ أنه من غير الممكن في هذه السياقات وفي غيرها أن نستبدل كلمة (البحر)
بكلمة (الماء) لأن ذلك يؤدي إلى اختلال المعنى.
أما كلمة (اليم) فهي تذكر وتستدعي كلمة (مايم) في اللغات القديمة، والتي تعني (ماء)
كما هو في وارد في اللغات العبرية والقبطية والنبطية والمصرية الهيروغليفية وغير
ذلك (لاحظ أن كلمة "مايم" المشتركة بين عدة لغات قديمة تتكون من مقطعين هما
"ماء" و "يم"، وأن البلاغة القرآنية اختصرتهما في كلمة واحدة هي "يم"، وربما كان
ذلك من باب المجاز اللغوي فيما يسمى بلاغة "إطلاق اسم الكل على الجزء ومن
خلال التأمل في السياقات الستة الواردة في القرآن الكريم لهذه الكلمة نرى ونفهم بكل
وضوح وجلاء أن المقصود بها هو ماء البحر أو مياه البحار أو الأنهار بمواصفاتها
وإمكاناتها وآثارها المعروفة على التحديد، وإن كان غير المدقق يفهمها بشكل عام على
أنها كلمة مرادفة للبحر أو النهر أو ما إلى ذلك، علما بأن هذا الفهم العام لا يخل كثيرا بالمعنى،
وإن ابتعد قليلا عن موجبات البلاغة القرآنية.
الماء هنا هو المعني على التحديد، والمقصود هو القذف والإلقاء في (الماء)، وأن
(ماء البحر أو النهر) لا (البحر أو النهر) هو المأمور بإلقائه بالساحل.
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (طه 78).
ماء البحر على التحديد هو الذي غشيهم وليس البحر بكامله.
ونلاحظ أننا لو استبدلنا كلمة (اليم) بكلمة (الماء) في السياقات الستة السابقة لما
اختلف المعنى كثيرا. وقد اقتضت الحكمة الإلهية والبلاغة القرآنية استخدام كلمة
(اليم) في المواضع الستة المذكورة التي استخدمت فيها من أجل الدقة في التفريق
بين هذا الماء (ماء البحر أو النهر) و(الماء) العادي.
أعتقد أن هذا هو الفرق بين كلمتي (البحر) و (اليم) بالشكل الذي أفهمه من السياق
القرآني استنادا إلى معلوماتي اللغوية المتواضعة في ضوء مختلف التفاسير المتواترة
عن السلف الصالح.
عواد الهران
بارك الله فيك ع المومعلومات الرائعه والمفيده
الله يعطيك العافيه
وتسلم يمناك ع النقل الرائع والعطاء الراقي
لك من الابداع رونقه ومن الاختيار جماله
دام لنا عطائك المميز والجميل
ولجهودك باقات من الشكر والتقدير