الشخصية: سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد، وكل شيء رأيت جسمانه فقد رأيت شخـصه ( ابن منظور، ج 7، ص 45 ).
وفي المعجم الوسيط، الشخص: كل جسم له ارتفاع وظهور وغلب في الإنسان، وعند الفلاسفة: الذات الواعية لكيانها المستقلة في إرادتها، والشخصية: صفات تميز الشخص عن غيره ويقال: فلان ذو شخصية قوية: ذو صفات متميزة وإرادة وكيان مستقل عن غيره. وهي من الألفاظ المحدثة ( ج 1، ص 475).
وفي معاجم التربية وعلم النفس تُعَرَّف الشخصية بأنها "نظام متكامل من مجموعة الخصائص البدنية والوجدانية والنزوعية والإدراكية التي تُعيِّن هوية الفرد وتُمَيزه عن غيره من الأفراد تمييزاً بيِّناً، وكما تبدو للناس أثناء التعامـل اليومي الذي تقتضيه الحياة الاجتماعية" ( بدوي، معجم مصطلحات التربية والتعليم، ص 197).
كما تُعَّرف بأنها: " تكامل الصفات الجسدية والخلقية المميزة لفرد ما بما في ذلك بناؤه الجسدي وسلوكه، واهتمامه ومواقفه وقدراته وكفاءاته، كلية الشخص كما يراها الآخرون ( عاقل، معجم علم النفس، 83 ).
وتُعَّرف بأنها " حاصل جمع كل الاستعدادات والميول والغرائز والدوافع والقوى البيولوجية والفطرية الموروثة، وكذلك الصفات والاستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة " ( فرغل، معالم شخصية المسلم، ص 7 ).
وعلى ذلك فالشخصية هي: كل الصفات والخصائص الموروثة والمكتسبة التي يتميز بها كل شخص عن الآخر.
ثالثاً: السلوك.
التعريف اللغوي والاصطلاحي:
السلوك: مصدر سلك طريقاً، والمسلك: الطريق، والّسْلكُ: إدخال شيء تسلكه فيه (ابن منظور، لسان العرب، ج10، ص 443).
ويُعَّرف السلوك في معاجم التربية وعلم النفس بأنه " أي فعل يستجيب به الكائن الحي برمته لموقف ما استجابة واضحة للعيان، وتكون عضلية أو عقلية أو كلاهما معاً، وتترتب هذه الاستجابة على تجربة سابقة، وقد يكون السلوك فطرياً أو مكتسباً ( بدوي، مرجع سابق، ص 44 ).
أما جون ديوي المربي الأمريكي فَيُعِّرف السلوك بأنه " تفاعل بين عناصر الطبيعة الإنسانية والبيئية الطبيعية والاجتماعية" ( وين، قامـوس جـون ديـوي للتـربية، ص 127 ).
إذاً فالسلوك هو كل حركة قولية أو فعلية تصدر من الإنسان نفسه أو تكون رد فعل لموقف معين.
العلاقة بين الشخصية والسلوك:
وبناءً على ما ذكر آنفاً في تعريف الشخصية نجد أنها نظام متكامل لكل نواحي الإنسان بما فيه سلوكياته، فالسلوك إذاً جزء من الشخصية.
أنواع السلوك:
هناك تصنيفات للسلوك الإنساني أشار إليها العلماء والمختصون، ومن تلك التصنيفات ما يلي:
أولاً: تصنيف ابن تيميه ( رحمه الله ).
أشار ابن تيميه إلي أنواع السلوك وقال عنها ( أعمال الأبدان ) وهي: ثلاث درجات: ظالمٌ لنفسه، ومقتصدٌ، وسابقٌ بالخيرات. وهذا التصنيف مأخوذ من قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32]. ويوضح ابن تيميه هذه الأصناف بقوله:
فالظالم لنفسه: العاصي بترك مأمور أو فعل محظور.
والمقتصد: المؤدي الواجبات والتارك المحرمات.
والسابق بالخيرات: المتقرب بما يقدر عليه من فعل واجب ومستحب والتـارك للمـحرم والمكروه ( مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيميه، ج 10، ص 6 ).
ثانياً: تصنيف محمد دراز ( رحمه الله ).
يقول دراز: أنه يمكن تصنيف الناس في سلوكهم إلي ثلاثة أصناف هي:
1- صنف لا يفعل الخير ولكنه يحب أن يحمد به، ويقترف الإثم ثم يرمي به من هو بريء منه، إذا كان عليه الحق ضجر به، وإذا كان له الحق ألح في طلبه ولم يقبل في ذلك معذرة، هذا صنف من الناس شعارهم: كن كلاعب الشطرنج، خذ ولا تعط، فإن لم تستطع فخذ أكثر مما تعطي. وتلك خلة قوم وصفهم الله تعالى بأنهم أحرص الناس على حياة. قال جل وعز: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 96].
2- الصنف الثاني لا يبخلون بالحق الذي عليهم بل يسارعون إلى أدائه، ولكنهم يحرصون في الوقت نفسه على الحق الذي لهم، ولا يتهاونون في اقتضائه، لا يبدؤون أحداً بظلم ولا عدوان، ولكنهم إن ظلموا انتصفوا ممن ظلمهم، وحرموا مـن حرمـهم، شعـارهم خذ بقدر ما تعطي، قال تعالى: ﴿ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 279].
3- وصنف أخير تجاوز العدل إلى الفضل، لا يظلمون أحداً بل يعفون عمن ظلمهم، ولا يبخسون أحداً حقه، بل يسمحون له ببعض حقوقهم، وشعارهم أعط ولا تأخذ، فإن لم تستطع فأعط من نفسك أكثر مما تأخذ ( دراز، نظرات في الإسلام، ص 104 - 107 ).
وبمقابلة التصنيفين السابقين لأنواع السلوك مع موضوع هذه الدراسة ( الازدواجية في السلوك )، نجد أن ابن تيميه رحمه الله أشار إلى ازدواجية السلوك ضمن التقسيم الأول ( الظالم لنفسه ) حيث يقول: " وأما الظالم لنفسـه من أهل الإيمان: فمعه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره إذ الشخص الواحد قد يجتمع فيه الحسنات المقتضية للثواب، والسيئات المقتضية للعقاب، حتى يمكن أن يثاب ويعاقب " ( المرجع السابق، ص 7 ).
أما تصنيف دراز رحمه الله فلم يشر إلي ازدواجية السلوك ضمن تصنيفاته التي أشرنا إليها، ويؤكد ذلك قوله: " لو كان لنا أن نرمز لكل واحد منها برمز حسابي، لوضعنا على أولها علامة النقص، وعلى الثاني علامة المساواة، وعلى الثالث علامة الزيادة " (ص 107).
وعلى أية حال فالازدواجية وضع قائم في سلوك الإنسان، يلمسها العاقل في ذاته وفي الآخرين.