/.
الانتظار سيد الملل ورحلة المتفائل إلى يأس بلا أمل
أتصور أنه كان عليهم جعل الانتظار مادة تدرس
في المدارس ويخصص لها اساتذة
حائزين على دكتوراه في الصبر
لخلق جيل قادر على ممارسة الانتظار ببراعة
أن هذا الجيل حقاً و أجيال قادمة سوف تعاني
:
نحن بحاجة لزرع هذا السلوك الوجداني بداخلنا
وليس فقط التظاهر به
فعد معي مرات الانتظار التي تمر عليك
أنت منذ ولادتك وأنت تنتظر أن تكبر
وأن تمر مراحلك الدراسية بكل ما فيها من أمور تافهة
رغم كونها تمثل لك أحداث كونية عظيمة أن ذاك
وما أن تنتهي من ذلك إلى أن تنتظر الالتحاق بعمل
ذو شأن لتشد بذلك شراع مركبك ملتحقاً بركب الحياة
ومجراها الطبيعي دون محاولة الخروج عن المألوف
:
هكذا هو الانــتــظـــار عجيبٌ في أمره
يبدو في ظاهرهِ عزيزًاً غالياً يأبى أن يعطيك
دون أن تقتصّ له من وقتك وجهدك وفكرك
يأبى أن يكون سهل المنال
يُصيبُك هوسٌ برصد الاحتمالات الكثيرة
يتركك على ذلك الحائطِ المَنسيِّ في غياهِبِ الانتظار
فمنْ ينتظر يبقَ منتظراً ولنْ تلتفتَ الساعاتُ إلى التجاعيد
التي قدْ رسمَتها احتمالات الشكّ على ملامحهِ
لنْ تناديهِ الأمنياتُ بأن هِيتَ لك
لأنّه رضي بفُتاتٍ من أحلامِ السالكينَ على دروبَ النجاح
الخائضينَ غِمارَ التَّحدي وتمدّد على قارعةِ الاحتمال
:
هو أشبه بجبلٍ شامخٍ لا ينحني
لن يرفعك على قمّته إلا إن أنت شدّتك رغبتك
الملحّة لاعتلائه فبذلت من نفسك وجُهدك وعُمرك
في سبيل ذلك وهو ليس مجرد لحظاتٍ تقضيها
في محطّة القطار الذي سيُقلّك في أيّ لحظة
أو كرسيّ في قاعات الاستقبال تنتظر عليه دورك المحتوم
بل هو فلسفة حياة وطريقة تفكير
هو لحظاتٌ قاسيةٌ فمهما تسلّحت أمامهَا
بالشّجاعة والإيمان لابدّ وأن تخور قواك في مرحلةٍ ما
فتظنُّ حينها وكأن الزّمن قد توقّف أو أنّهُ يمرّ متثاقلاً
كما لم يكُن يومًا
:
في زحمةِ هذا الانتظار وضجيج الطّريق
تنأى بنفسك عن الجُموع وتستحضرُ ملامح ما
اختزن فيك من أحلام مُذ نما الوعي في قلبك
أحلامٌ تشدّ بؤرة الحنين لتصل بك إلى أكثر الأمكنة غوراً
في الذاكرة .. يضيقُ صدرك وتخنقُه العبرات
تسألُ نفسك مستنكراً :
هل ضاقتْ عليّ أحلامِي .؟
أمْ أنَّها من فرطِ السّعةِ قد نأتْ أطرافُها عنّي فَلمْ
أُحِطْ بها قُنوطًا ويأسًا من المنال .؟
:
أتعلم، الـحـُـــلـــم هو خطّة القلب غير المُعلنة
التي لا تعرفُ لحظة بداية ولا نهاية
فلا تدري متى ينمو ولا متى يُثمر
هو كلمةٌ أعمق وأكبر بكثير من تلك الأحرف الثلاث
التي تشكّله، فكلُّ ما يلتهمُ وقتك بنهمٍ
ويمتلك هواك، وتأنس به في وحشتك ويأسرك
ما لم تُعانقه حُــلـــمٌ ولا يُهمّ إن بلغته أم لا
المهم أنّك تسعى في سبيل الوصول إليه
صحيحٌ أنّك حين تلامسهُ تشعُر وكأنّ قلبك يهفو
مع كل نسمةِ هواءٍ تُداعب وجهك
لكنّ الطّريق إليه ألذّ وأجمل من عِناقه حتّى
لو فرمتك الحياة ومتاعبها بدل المرّة ألفاً
فكما يُقال أنّ الأحلام كلّما طال انتظارُها
جعلوا منها مصيدة يتصيّدُون بها كلّ إنسانٍ
:
لذا دعنِي أخبرك شيئاً ونحنُ على رصيفِ الانتظار
النّجاح يكون في خطوتين:
1/ أوّلُها السير بثباتٍ إلى الأمام باتجاه حُلمك
2 / عدم الرُّجوع إلى الخلف ولو اندكَّت عليك الدُّنيا
الحقيقة أنّنا وإن طالت بنَا الطّريق وبهُتت معالمُها
وتفرّقت بنا السُّبل فما عُدنا نُدرك
أين نحنُ ولا من أين أتينا
إلاّ أنّنا مازلنا نُصارع لنعيش أحلامنا ونطاردها
أينما كانت وأينما كنّا
ومازلنا نحيا أيّامنا بطولها وثقلِها وتثاقُلها
لأنّنا قرّرنا أن نحلم دائمًا وأن نحلم من جديد
وأن لا نتوقف عن ذلك طالما لم تُعلن قلوبنا بعد توقُّفها
عن الخفقان ولم تتعب نفوسُنا من التخيُّل والتحليق
ولم نيأس نحنُ من حديثنا المتكرّر عن معاني الحياة
التي لا تكونُ إلاّ إن ضمّت بين ثناياها تفاصيلها
وإيمانُنا بأن كلّ شيءٍ في حياتنا له ميعادٌ محدّدٌ ومحتوم
وأنّ قلقنا وتوتّرنا لن يُجدي ولن يُغيّر من الأمر شيئاً
والأهم من كل ذلك قناعتُنا بأنّ الانتظار قد يطول
وربما لن تأتي علينا اللحظة التي ننتظرها
لكن وبالرّغم من ذلك فمطاردة الحُلم كانت دائماً برهاناً
على رغبتِنَا الدّائمة في احتضان الحياة، بما فيها ومن فيها
:
الصبر مفتاح الفرج ودواء الدهر الصبر عليه
وعاقبة الصبر الجميل جميلة
وغيرها من الاقوال والامثال التي شحنت النفوس سابقاً
لتتحلى بدثار الصبر صوب الأمل في يوم افضل وعيش اجمل
:
مع التحية والتقدير ..