الطيران بالعجة،
وهي كما يعرفها الجميع الريح الشديدة مصحوبة بالغبار،
وهو مثل شعبي يطلق على من «يدرعم» مصدقاً لكل ما يقال
دون التأكد والتثبت فيتلبسه التسرع بالحكم، ويهيمن على عقله وهو بحاجة ماسة لمن يخرجه من سلوكه وتصرفه،
ويبدو أن العقل هو المقصود بحيث يكون من الخفة ما يجعله يطير مع العصافير أو بدونها سيان، وحينما تأخذه العجلة بالإثم ويوقعه سوء التقدير في هذا المطب فإن ذلك ليس نقصاً في الفطنة أو المهارة بل في رهن ثقته بنفسه لإرادة الآخرين،
فهو يسير خلف الأغلبية لأن أدوات امتلاك القرار ليست بحوزته بل مؤجرة، وأمل ألا يكون منتهي بالتمليك، من يتخذ التسرع عنواناً لاستيعاب المعلومة حتماً ستعبث بعقله التصورات الخاطئة بعيداً عن «الفلترة» أو بالأحرى الاتزان في التلقي ورد الفعل، لهذا فإن «فلترة» المعلومة حال وصولها خير من رفضها بعد قبولها،
حينها سيخطف التحليل السريع الكرة بسرعة متناهية لتتشكل القراءة بعيداً عن حالة الفرز الذهني المتزنة والرصينة للتفاعل مع المعطيات، وبالتالي فإن العقل الباطن لا يلبث أن يختزن رد الفعل المبدئي ما يشكل إرهاقاً معنوياً بالإمكان تجاوزه في حالة تحري الدقة في بداية الأمر وفي سياق القبول من عدمه،
عنصر التشكيك بات مرتعاً خصباً لنشوء الأحكام المضُللة وكيفما اتفق لاسيما وأن مصادر النقل تحولت إلى مختبرات، البعض منها ينوء بالأوبئة الفتاكة، بمعنى أن المختبر بحاجة إلى عزل فكيف بما يصدر عنه وفاقد الشيء لا يعطيه،
في حين تسهم الفطنة بدرجة كبيرة في إسقاط كثير من المحاولات الرامية إلى الاستخفاف بالعقول وجرها إلى المجهول ولا تعدو عن كونها تنبؤات تحاك هنا وهناك، وإذا كان الشك يقطعه اليقين، فمن باب أولى قطع دابر الشكوك ومدبريها،
وبتر الظنون السيئة وإحالة الأحكام إلى قرارات العقل الفطن وإحكام السيطرة على المشاعر، أضف إلى ذلك التحلي بالحكمة والصبر لكيلا يبتلع الفضول عمق المسؤولية الأدبية وتُقتلع المحافظة على الأمانة في القول والعمل من جذورها،
ولا أعتقد كما لا يعتقد طيب الذكر الفنان القدير «عادل» في مسرحيته الشهيرة بأن عاقلاً يرغب في رهن عقله في مزادات التواصل الاجتماعي المتناثرة، خلاصة الحديث،
أن التسرُّع في إصدار الأحكام بمعزل عن التثبُّت
يندرج في إطار الظلم والإعتداء وقد نهانا ديننا الحنيف عن ذلك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) لذلك بات التثبُّت ديدن المؤمن الصادق،
ودليله إلى بلوغ الحق حكماً كان أم رأياً أم تصوراً، وبالله التوفيق.