الفرد نواة المجتمع - كما يقول علماء الاجتماع - فإذا لم يصلح الفرد فأنى للمجتمع أن يصلح؟!
ولذلك تمتد آثار ازدواجية السلوك إلى المجتمع، ومن أبرزها:
أولاً: التخلف عن الأمم المتقدمة.
أنَّى يكون لأمة أي تقدم إذا كان جل أفرادها ليسوا على مسلك شرع الله تعالى، فإن بدا لك من أحدهم سلوك قويم سرعان ما يتحول إلى سلوك معاكس ومناقض له تماماً، وهذا الوضع لا يتحقق معه عمل مثمر يقوم على الابتكار والاختراع والتجديد، ويتحقق معه للأمة التقدم والازدهار، بل تصبح هذه الأمة وأفرادها عالة على غيرها من الأمم حتى في أتفه الصناعات مهارة ودربة.
ثانياً: تبدد الأخلاق.
ترتبط الأخلاق ارتباطاً وثيقاً بقواعد الدين الإسلامي، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ( البيهقي، السنن الكبرى، باب بيان مكارم الأخلاق رقم ( 40 )، ج 10، ص 191 )، والسلوك المزدوج ناتج عن خلل في تطبيق قواعد الإسلام معه يتبدد الكثير من المبادئ والأخلاقيات التي تقوم عليها حياة الأمم، وتكون هذه الأمة عرضة للضياع والتهميش، ولله درّ أحمد شوقي إذ يقول:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ثالثاً: تفشي الغش.
إن مجتمعاً تفشى في بعض أفراده ازدواجية السلوك، يكون عرضة لظهور الغش بأنواعه، وظهور الفساد الإداري بأنواعه أيضاً، والغش والفساد الإداري يهزان موازين المجتمع اقتصادياً واجتماعياً، وينخران قواه، فإذا تقدم خطوة إلى الإمام، تقهقر خطوات إلى الخلف.
رابعاً: اهتزاز الصف المؤمن المرصوص.
يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4]، والذي يعطل هذه القاعدة ويخلخلها هو مخالفة القول للفعل والذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2]،وهذا التعبير القرآني ﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ضم في ثناياه كل الأسباب التي تهز الصف المؤمن المرصوص.
إن القول الحسن إذا صدر من بعض الناس يترك أثراً عظيماً في النفس، وفي النفس المؤمنة خاصة، ذلك لأنها تتلقى الكلام الطيب والقول الحسن بصدر سليم، وقلب مفتوح، وتصديق أكيد، وظن حسن، أما إذا خالف القول الفعل فإن الخديعة كبيرة، والإثم عظيم وكان مقت الله لذلك مقتاً كبيراً[1].
خامساً: فقدان الثقة بين أفراد المجتمع الواحد.
لا يجمع أفراد المجتمع الواحد إلاّ الحب والإيثار وحسن التعامل، وكل هذه المعاني السامية، وغيرها كُثر؛ حض عليها الإسلام وألحَّ عليها من أجل تماسك المجتمع وتماسك الأمة، أما إذا ازدوجت السلوكيات فأصبح الشخص يقابلك بوجه ثم في مقام آخر يقابلك بوجه آخر، أو تراه يظهر لك الحب والإخلاص وفي الخفاء يكيد لك كيد الأعداء، فساعتئذٍ تنعدم الثقة، وتمتلئ القلوب كُرهاً وحقداً.