ثمرات التقوى في الدنيا والآخرة (خطبة)-2
ثمرات التقوى في الدنيا والآخرة (خطبة)-2
د. محمود بن أحمد الدوسري
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ..
وَمِنْ أَبْرَزِ ثَمَرَاتِ التَّقْوَى فِي الْآخِرَةِ:
1- تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ، وَعِظَمُ الْأَجْرِ:
قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطَّلَاقِ: 5]، قَالَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَمَنْ يَخَفِ اللَّهَ فَيَتَّقِهِ بِاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ؛ يَمْحُ اللَّهُ عَنْهُ ذُنُوبَهُ، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِ ﴿ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾؛ أَيْ: وَيُجْزِلْ لَهُ الثَّوَابَ عَلَى عَمَلِهِ ذَلِكَ وَتَقْوَاهُ، وَمِنْ إِعْظَامِهِ لَهُ الْأَجْرَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَهُ جَنَّتَهُ، فَيُخَلِّدَهُ فِيهَا).
2- يُحْشَرُ الْمُتَّقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُكَرَّمِينَ مُعَظَّمِينَ:
قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [مَرْيَمَ: 85]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (يَحْشُرُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفْدًا إِلَيْهِ، وَالْوَفْدُ هُمُ الْقَادِمُونَ رُكْبَانًا، وَمِنْهُ الْوُفُودُ وَرُكُوبُهُمْ عَلَى نَجَائِبَ مِنْ نُورٍ مِنْ مَرَاكِبِ الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَهُمْ قَادِمُونَ عَلَى خَيْرِ مَوْفُودٍ إِلَيْهِ إِلَى دَارِ كَرَامَتِهِ وَرِضْوَانِهِ).
3- الْمُتَّقُونَ لَا تَنْقَطِعُ خُلَّتُهُمْ وَصُحْبَتُهُمْ أَبَدًا:
قَالَ تَعَالَى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزُّخْرُفِ: 67]، فَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَنْقَطِعُ كُلُّ خُلَّةٍ بَيْنَ الْمُتَخَالِّينَ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ، وَتَنْقَلِبُ عَدَاوَةً وَمَقْتًا، إِلَّا خُلَّةَ الْمُتَصَادِقِينَ فِي اللَّهِ؛ فَإِنَّهَا الْخُلَّةُ الْبَاقِيَةُ الْمُزْدَادَةُ قُوَّةً، إِذَا رَأَوْا ثَوَابَ التَّحَابِّ فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّبَاغُضِ فِي اللَّهِ.
4- الْمُتَّقُونَ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَا آمِنُونَ:
قَالَ تَعَالَى: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 212]؛ لِأَنَّهُمْ فِي عِلِّيِّينَ؛ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ، وَالْكُفَّارُ فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ؛ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.
5- يَرِثُونَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا:
قَالَ تَعَالَى: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 63]، وَفِي قِرَاءَةٍ: ﴿ نُوَرِّثُ ﴾؛ أَيْ: نُبْقِي عَلَيْهِ الْجَنَّةَ كَمَا نُبْقِي عَلَى الْوَارِثِ مَالَ الْمُوَرِّثِ، وَقِيلَ: أُورِثُوا مِنَ الْجَنَّةِ الْمَسَاكِنَ الَّتِي كَانَتْ لِأَهْلِ النَّارِ لَوْ أَطَاعُوا.
6- يُسَاقُونَ عَلَى النَّجَائِبِ إِلَى الْجَنَّةِ وَفْدًا وَفْدًا:
قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزُّمَرِ: 73]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ السُّعَدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ يُسَاقُونَ عَلَى النَّجَائِبِ وَفْدًا إِلَى الْجَنَّةِ ﴿ زُمَرًا ﴾ أَيْ: جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ: الْمُقَرَّبُونَ، ثُمَّ الْأَبْرَارُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، كُلُّ طَائِفَةٍ مَعَ مَنْ يُنَاسِبُهُمُ: الْأَنْبِيَاءُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالصِّدِّيقُونَ مَعَ أَشْكَالِهِمْ، وَالشُّهَدَاءُ مَعَ أَضَرَابِهِمْ، وَالْعُلَمَاءُ مَعَ أَقْرَانِهِمْ، وَكُلُّ صِنْفٍ مَعَ صِنْفٍ، كُلُّ زُمْرَةٍ تُنَاسِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا).
7- هُمُ الْفَائِزُونَ بِأَعْلَى دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ:
قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾ [النَّبَأِ: 31]؛ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ [ص: 49]؛ أَيْ: حُسْنَ مَرْجِعٍ وَمُنْقَلَبٍ، وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [الْقَمَرِ: 54-55]، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ﴾؛ أَيْ: مَجْلِسِ حَقٍّ لَا لَغْوَ فِيهِ وَلَا تَأْثِيمَ؛ وَهُوَ الْجَنَّةُ، ﴿ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾؛ أَيْ: يَقْدِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَ﴿ عِنْدَ ﴾ هَاهُنَا؛ عِنْدِيَّةُ الْقُرْبَةِ وَالزُّلْفَةِ، وَالْمَكَانَةِ وَالرُّتْبَةِ، وَالْكَرَامَةِ وَالْمَنْزِلَةِ).
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|