منتديات حروف العشق © عالم الأبداع والتميز - عرض مشاركة واحدة - المشاعر لها رسائل ودلالات
عرض مشاركة واحدة
قديم 23-Oct-2020, 02:04 AM   #8


الصورة الرمزية همس الحرف

 
 عضويتي » 6803
 جيت فيذا » Oct 2018
 آخر حضور » 14-Jul-2021 (09:20 AM)
آبدآعاتي » 91,582
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه »
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » همس الحرف has a reputation beyond reputeهمس الحرف has a reputation beyond reputeهمس الحرف has a reputation beyond reputeهمس الحرف has a reputation beyond reputeهمس الحرف has a reputation beyond reputeهمس الحرف has a reputation beyond reputeهمس الحرف has a reputation beyond reputeهمس الحرف has a reputation beyond reputeهمس الحرف has a reputation beyond reputeهمس الحرف has a reputation beyond reputeهمس الحرف has a reputation beyond repute
مشروبك
قناتك
اشجع
مَزآجِي  »

اصدار الفوتوشوب : My Camera:

мч ммѕ ~
MMS ~
 

همس الحرف غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المشاعر لها رسائل ودلالات



ثامناً: الكرم والبخل
الكرم هو كل بذلٍ دلَّ على إحسان الله تعالى وإنعامه الظاهر والباطن. ومن أسماء الله الحسنى «الكريم»، كما في قول النبي سليمان عليه السلام عندما رأى عرش ملكة سبأ مستقراً أمامه: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ *} [النَّمل: 40]، أي ومَنْ كفر النعمة فإنَّ ربي غنيٌّ عن شكره، كريمٌ بالأفضال على من يكفر بالنعم التي يتكرم بها عليه، مثلما يتكرّمُ بها على عباده أجمعين.
وإذا وصف إنسانٌ بالكرم فهو نعت للأخلاق والأفعال المحمودة التي يتحلّى بها، في حين أنَّ الكريم لا يعبأ أن يوصف بالكرم حتى يُظهره، أو يَظهرَ فيه، لأنًّه سجيَّة مركوزةٌ في طبعه، وإنَّ أكرمَ الأفعال وأشرفها التقوى التي يُقصدُ بها وجهُ الله تعالى، إن في الخشية منه - عزَّ وجلَّ -، أو اتقّاءً لمحارمه، أو السير على النهج الإسلامي الصحيح. يقول العزيز الحكيم: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحُجرَات: 13]، أي إنَّ أكثركم مَكْرُمةً عند الله، أكثركم تَقْوى..
والقرآن هو كتاب الله المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو الكتاب الحق، تنزَّل من الحقّ، الذي خلقَ الكون، والوجود كله بالحق، لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} [الأنعَام: 73]. ومن هذا الخلق الإنبات في الأرض، وهو خلقٌ كريمٌ كما يصفه خالقهُ تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [لقمَان: 10]، وهذا دليل على نظام الخلْقِ القائم على السمو، لأنَّ كلَّ شيءٍ سما وشرف في جنسه فإنه يوصف بأنه كريم. ولأنَّ للقرآن منزلته من الرفعة والسموّ فقد وصفهُ ربُّهُ، ومنزلهُ بأنه «كريم» بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ *} [الواقِعَة: 77].
والله تعالى عندما يوصي الولَدَ بوالِدَيْه والإحسان إليهما، يوصيه بأن يقولَ لهما أشرَف القول وأنبلَهُ، وهو القول الكريم، وذلك بالأمر المبين: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [الإسرَاء: 23].
والإكرام والتكريم ما يوصَلُ إلى الإنسان من نفع ولا يلحق فيه غضاضة، أو ما يوصَلُ إليه من شيءٍ شريف.
أما الجود فهو بذل المقتنيات من المال أو العلم، فالذي يبذل ماله على الناس يقال له جواد، ولذلك قيل عن الحصان الذي يجود بمدّخر عدوه: جواد (وجمعه جياد)، وهي صفة الخيول التي كانت عند النبي سليمان عليه السلام، كما يتبين من قوله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ *} [ص: 31].
ويقابل الجودَ البخلُ، وهو إمساك المال عمَّن لا يحق حبسه عنه، أو هو الامتناع عن أداء واجب الإنفاق على مستحقيه. ويقال: رجلٌ باخل أو رجل بخيل، والبخيل هو الذي يكثر عنه البخل.
ويتخذ البخل وجهين: أحدهما البخل بالمال الخاص، فلا يعطي البخيل من مالِهِ أبداً، أو أن يعطي النزر اليسير تحت وطأة ظرف معين؛ والثاني أن يُحَرِّضَ البخيل غيره على البخل، فكأنما يبخل بمال غيره، فلا يطيق أن ينفقه صاحبه، وهذا الوجه الثاني أكثر ذمّاً كما يتبيّن من قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النِّسَاء: 37]. وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ *إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ *هَاأَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ *} [محَمَّد: 36-38].
... فقد باتَ من الثابت - وفقاً للقرآن المجيد - أنَّ الحياة الدنيا سريعة الفناء، قريبة الانقضاء.. ومن اختار الفاني على الباقي كان جاهلاً، كما بات من الثابت أيضاً - وفقاً لكتاب الله تعالى - أَنَّ الحياة الدنيا لعب ولهوٌ.. أمَّا ما يخرجها أنْ تكونَ كذلك - أي لهواً ولعباً - ويطبعها بطابع الجد فهو الإيمان والتقوى اللذين فيهما الأجرُ والثواب في الآخرة حيث البقاء لا الفناء..
والنص القرآني {وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ؛ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ *} [محَمَّد: 36-37] إنَّما يعني أنَّ الله تعالى لا يأمركم أن تنفقوا جميع أموالكم في سبيل الآخرين، بل يأمركم بالزكاة والصدقة في تلك الأموال، لأنه إنْ يأمركم بإنفاقها كلها - سواء في سبيل الله أو في سبيل العباد - فسوف تبخلون، وتعصون أمرَ الله تعالى، وسوف يخرج هذا البخل أحقادكم على الإسلام. ولذلك فرض من أموالكم أداء الزكاة، فهي من أركان الدين، كما حرَّض على الصدقة من أموالكم لأنها من الحسنات الكبيرة التي تؤجرون عليها.. ما يجعل هذا النصَّ القرآني يوحي بحكمة اللطيف الخبير ورحمته بأصحاب الأموال وبالمستحقين للزكاة والصدقات على حد سواء، كما أنه يكشف عن التقدير الدقيق في تكاليف الدين الإسلامي، ومراعاته للفطرة التي إن استجابتْ لأمر الله تعالى فسوف يجد الإنسان أنَّ في نفقة المال على مستحقيها خروجاً للأضغان، التي هي الأحقاد في القلوب، والعداوات الدفينة في النفوس.. فالغني الذي يؤتي من ماله الزكاة والصدقات إنَّما يفعل ذلك أولاً استجابةً لأمر الله تعالى ومرضاته، وثانياً المشاركة في واجب التكافل الاجتماعي، وكلا الأمرين مما يقرّب بين الأغنياء والفقراء، ويطهّر النفوس من الأحقاد والعداوات التي كثيراً ما تنشأ من جراء التمايز الطبقي، واستئثار الأغنياء بالثروة دونما التفاتةٍ إلى هؤلاء الفقراء ليزيلوا عنهم بعض الحيف الذي ألحقتهم به ظروف حياتهم!..
وفي هذه الآيات الكريمة وصف دقيق لواقع الناس، في كل بيئة، عندما يُدعون للإنفاق؛ فهي تقرر أنَّ من الناس من يبخل في الإنفاق حتى في سبيل الله ربه وخالقه، بل وفي سبيل نفسه وعياله، فكيف به تجاه الآخرين من الفقراء والمساكين والمحتاجين، والضعفاء والمرضى.. ممَّنْ يحولُ البخلُ وشحُّ الأنفس دونَ النظر إلى حاجاتهم، ومساعدتهم على قضائها؟!. ولكنَّ الله تعالى لا يترك عبادَهُ الضعاف بلا معين، لذلك نجد في المجتمع بمقابل أولئك البخلاء، مَنْ يبذلون من أموالهم في سبيل مرضاة الله تعالى، فهم ينفقون كامل الحقوق الشرعية المترتبة عليهم، وقد يزيدون عليها من الصدقات والحسنات ما يجعلهم فرحين بالبذل والعطاء.
{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ} [محَمَّد: 38] عما عندكم أيها الناس جميعاً من الأموال. {وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محَمَّد: 38] إلى ما عند الله تعالى من الخير والرحمة والكرم. وهو سبحانه لا يأمركم بالإنفاق لحاجته وهو مالك الملك، ولكن لتنتفعوا به في أخراكم. وإنْ تُعرضوا عن طاعة الله تعالى، وعن طاعة رسوله الكريم يستبدل بكم قوماً آخرين يكونون أكثر طاعة وتقوى لله تعالى، ولرسوله الكريم، إنْ في الإِنفاق أو في غيره من الطاعات التي يُحبها الله ورسولُهُ، ويحبُّها أهل البِرِّ والتقوى..
ومن البخل الشحّ ، وهو مرض من أمراض القلب، يقابل في سوئه، الإسرافَ والتبذير، بل ويتخطاهما في ضرره وخطره. فالواجب الإنفاق من غير إسراف أو تبذير أو تقتير. يقول رسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم): «اتَّقُوا الظُلمَ فإنَّ الظُلْمَ ظلماتٌ يومَ القيامة، واتَّقُوا الشُّحَّ فإنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كانَ قبلَكُمْ: حَمَلَهُمْ على أَنْ سَفَكُوا دماءَهم واسْتَحَلُّوا محارِمَهُم»[*] ؛ فطاعة الله تعالى بالتقوى أجرها عظيم عند الله - عزَّ وجلَّ - لما يعدُ به سبحانه المتقين من الفضل العظيم. يقول تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ *} [الزُّمَر: 20]. فالذين اتقوا ربَّهم لهم منازل رفيعة في الجنة، بعضها فوق بعض، وذلك أنَّ النظر من الغرف إلى الخضر والمياه أشهى وألذ، وقد وعدهم الله تعالى تلك الغرف والمنازل وعداً لا يخلفه، لأنه تعالى لا يخلف الوعد... وهذا كله من باب حرص المؤمن على الانتفاع بتقوى ربه، فلا يفوِّتَنّ أحدٌ هذا النفعَ على نفسه..
تاسعاً: التكتل
إنَّ التكتل مظهر من مظاهر غريزة حب البقاء، لذلك كان الاجتماع طبيعياً بين الناس للدفاع عن أنفسهم ضد الوحوش الضارية وضد أخطار الطبيعة العاتية. فكان نشوء المجتمع البشري حاجة ملحة للحفاظ على بقاء الحياة.
أما اليوم، فبالإضافة إلى ذلك، هناك المصالح العامة والمشاعر المشتركة التي تجمع الناس، وتؤلف فيما بينهم في نطاق المجتمع الذي يعيشون فيه. والعلاقات في المجتمع الإسلامي تبنى على جلب المصالح ودفع المفاسد. ثم يقتضي لنا أيضاً توحيد النظرة من خلال توحيد الأفكار، وتوحيد الرضا والسخط، وتوحيد المعالجات من خلال نظام واحد يعالج سائر شؤون الجماعة والمجتمع على حدٍّ سواء. وهذا ما يستدعي الرجوع إلى الأنظمة التي يُقرُّها الإسلام سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع والعمل على تطبيقها..
عاشراً: الحزن والأسى والأسف
يقال لغةً: الحُزْنُ والحَزَنُ: خشونة في الأرض. والخشونة تكون في النفس لما يحصل فيها من الغمِّ، فكأنما يجعلها هذا الغمُّ خشنة مثل الأرض. ولذلك يقال: حَزَن يحزَنُ، وحَزَنتُه وأحزنتُه.
والحزن شعور في النفس مضاد للفرح. قال تعالى: {لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ} [آل عِمرَان: 153]. وهذا الشعور غالباً ما يلازم الإنسان الذي تحفُّ به المكاره أو يُواجه المتاعب، فقد يأتي من فقدان عزيز، أو خسارة شيء ذي قيمة كبيرة، أو فشل في تحقيق أمر هام. ومنه حزنُ أم موسى عليه السلام حين وضعته في الصندوق وألقت به في نهر النيل، فقذفَهُ الموج بعيداً عنها، وفي هذه اللحظات بالذات هلع قلبها وحزنت عليه لولا أنْ ربط الله تعالى على قلبها بالصبر، لتكون من المؤمنين المصدقين بوعد الله؛ وبالفعل فقد تحقق وعدُ المولى الكريم كما يدلنا عليه قوله المبين {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ} [القَصَص: 13]، ومنه أيضاً حزنُ يعقوبَ على ابنه يوسف (عليها السلام) وقد ظل يكظمه في قلبه سنواتٍ طويلةً حتى ابيضَّت عيناه، كما يبينه قوله تعالى: {وَقَال ياأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يُوسُف: 84] ثم عاد يعقوب، ليعبِّر عن هذا الحزن العميق في نفسه {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يُوسُف: 86].
ومنه الحزن الذي أصاب فقراء المسلمين وهم لا يجدون مالاً ينفقونه لتجهيز أنفسهم والخروج مع رسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) في جيش العسرة، إلى تبوك، فتولوا عنه وهم يبكون من الحزن. قال تعالى: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ *} [التّوبَة: 92] والمعنى: أنه لا مؤاخذة، أو إثمَ على هؤلاء المؤمنين، الذين أرادوا أن يكونوا في عداد الجيش، ولكنَّ فقرهم حال دون ذلك، فحزنوا وبكوا حتى فاضت أعينهم بالدمع على العسر الذي جعلهم يتخلّفون - مرغمين - عن أداء واجب الجهاد..
وعندما يقال: لا تحزنْ.. فليس ذلك نهياً عن الحزن الذي هو شعور في النفس لا يمكن تلافيه، ولا يمكن أن يحصل للإنسان بالاختيار، لكنَّ هذا النهي، إنما هو في الحقيقة، عمّا قد يورّث الحزن، أو يخلّف من آثار؛ كما يدلُّ عليه قوله تعالى: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التّوبَة: 40]. وهو ما قاله الرسول (صلى اللّه عليه وآله وسلم) لأبي بكر (رضي الله عنه) وهما في غار ثور، والمشركون يبحثون عنهما من فوق، ومن حولهما أجل، لقد قال الرسول (صلى اللّه عليه وآله وسلم) لصاحبه «لا تحزن إنَّ الله معنا» .. فكيف يحزن من يكون الله معه، وتكون ثقتُهُ بربه كبيرة في صرف أسباب الحزن عنه، لذلك كان اطمئنان رسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بأنَّ المشركين لا يمكن أن يكشفوهما في الغار فالله معهما وهو خير حافظاً، وبالفعل لما لم يكن لبحث المشركين عنهما أي جدوى، فإنَّه لم يورثهما أيَّ حُزنٍ.. وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله:
ومَنْ سَرَّهُ أنْ لا يَرَى ما يَسوْؤُهُ
فلا يتَّخِذْ شيئاً يُبالي لَهُ فَقْدَا
نعم إنَّ هذه الحياة الدنيا مجبولةٌ بالأحزان والمآسي لكثرة ما فيها من المتاعب والنوائب. ولكن ما على الإنسان إلاَّ أن يوطّن نفسه على مواجهة صروف الأيام، حتى إذا باغتته نائبة عرف كيف يسيطر على مشاعره، وكيف يتعامل مع الواقع فلا يجعل حزنه شديداً وأثره كبيراً في نفسه حتى لا يهلك دونه..
والأسى والحزن شيء واحد. إلاَّ أن حقيقة الأسى هو أنه غمٌّ على شيء قد فات وانقضى. يقال: أسيت عليه أسىً. وقال تعالى: {فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [المَائدة: 68].
والأسف هو الحزن والغضب معاً. وقيل هو الحزن وحده، أو الغضب وحده. والأسف هو انفعال في النفس قد يؤدي إلى المواجهة أو الانتقام. لذلك يكون الغضب درجة فوق الأسف، والحزن درجة دون الأسف. وقد سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال: «مخرجهما واحد واللفظ مختلف. فمن نازع من يقوى عليه أظهره غيظاً وغضباً، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حزناً وجزعاً». قال الله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزّخرُف: 55]. فمعنى آسفونا هنا: أغضبونا. قال أبو عبد الله علي الرضا (عليه السلام): «إنَّ الله تعالى لا يأسفُ لأسفنا، ولكنْ له أولياءُ يأسفون ويرضون، فجَعَلَ رضَاهم رضاه، وَغَضَبَهم غَضَبَهُ»، ولذلك يقال عن الآسِفِ: الغضبان. قال تعالى عن النبي موسى عليه السلام: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [طه: 86] غضبانَ، أي محتدماً شعوره بالغضب من عبادة بني إسرائيل العجل أثناء غيابه، وأَسِفاً: أي شديدَ الحزن على هذا الكفر والشرك اللذين أوقعوا أنفسهم فيهما..
وهكذا فإن تلك الانفعالات في النفس من: الخوف، والرضا، والغضب، والفرح والسرور، وحب التملك، والحسد، والكرم، والبخل والتكتل بين الجماعات، والحزن.. كلها من مظاهر غريزة حب البقاء التي جبلت النفس عليها، وهذا ما يجعل لتلك الانفعالات تأثيراً قوياً على سلوك الإنسان وتصرفاته..
2 - غريزة النوع وبعض مظاهرها
كما أنَّ لدى الإنسان مثلَ هذا الشعور الطبيعي بوجوده، ويحرص على هذا الوجود ببقائه حيّاً مدى عمره، كذلك عنده الشعور الطبيعي نفسه ببقاء النوع الإنساني كله، لأن فناء الجنس البشري يهدّد بقاءه كفرد، ولذلك تحتدم في نفسه الميول والانطباعات والمشاعر التي يقوم عليها بقاء بني جنسه، ومن قبيل ذلك الميل إلى المرأة للتناسل والحنان على الأهل والأبناء لإشباع العاطفة العائلية، وإغاثة المحتاج والملهوف ومساعدة الآخرين والتعاون معهم لإشباع الشعور الإنساني.. ويظهر ذلك بالأفعال والمواقف التي قد تأتي منسجمة أحياناً، أو متناقضة أحياناً أخرى طبقاً لنزعة الفرد الإنسانية، وما قد يجيش في نفسه من الانفعالات... وكل ذلك إنما يكون تعبيراً عن غريزة النوع التي تظهر بمظاهر عديدة ومختلفة، ومنها:


 توقيع : همس الحرف

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس