اقتصاديون: ضبط الأسعار بحاجة لقرارات مصيرية
محدودو الدخل يتحملون فاتورة الاستيراد والغلاء فاحش
محمد فاروق: الكوادر المسؤولة عن إنقاذ الجنيه غير مؤهلة
توقعات بارتفاع جديد في الأسعار بعد التراجع الكبير في قيمة الجنيه
القاهرة - محمد عبد المنعم وعلي رضوان: يعيش المواطن المصري محدود الدخل فترة عصيبة، نتيجة لغلاء الأسعار الذي أصبح بمثابة وحش مفترس يلتهم جيوبهم، خاصة في ظل الأنباء عن موجة غلاء جديدة خاصة بعد أن وجه الدولار ضربة قاضية جديدة للجنيه الذي يواصل التراجع، فقد انخفضت قيمته مؤخرا 112 قرشا، وهو أكبر انخفاض في تاريخه أمام العملة الأمريكية، كما كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع معدل التضخم الشهري خلال فبراير الماضي بنحو 1.1% مقارنة بشهر يناير السابق عليه ليسجل 177.4 نقطة مقابل 175.5. الخبراء بدورهم أكدوا أن الفقراء هم من يدفعون فاتورة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه خاصة أنهم يتحملون فاتورة استيراد الحكومة للسلع الأساسية من الخارج، لافتين إلى أن ضبط الأسعار في السوق خلال الفترة الحالية يحتاج إلى قرارات مصيرية من جانب رئيس الحكومة. المواطنون بدورهم أكدوا أنهم لا يتحملون في الوقت الحالي غلاء الأسعار، مؤكدين أن زيادة أسعار البنزين والسولار، سيؤدي لزيادة في أسعار مختلف البضائع والسلع، ما يشكل عبئا عليهم. عبء ثقيل علي عبد الله يرى أن زيادة الأسعار تشكل عبئا لا يتحمله أحد، مضيفا أن الدولة في الوقت الحالي، مشغولة بالسياسة والصراع البرلماني، متناسية المواطن الفقير، لافتا إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية عن العام الماضي. وأكد رضا عبد الفتاح أن غلاء الأسعار يزيد الضغوط على المواطن موضحا أنه بعد الموجة الأخيرة من زيادة الأسعار، تحولت أعداد كبيرة من الطبقة المتوسطة إلى فقيرة، الأمر الذي سيؤدي إلى حالة من الركود الاقتصادي في البلد. خسارة الجنيه وقالت نسرين محمد موظفة بوزارة المالية إن قرار التعويم الجزئي للجنيه أطاح بالعملة المصرية التي أصبح لا قيمة لها أمام باقي العملات العربية والعالمية داعية الحكومة إلى سرعة اتخاذ القرارات اللازمة لإنقاذ الجنيه. وأضافت: إن المصريين الفقراء هم من يدفعون فاتورة الإطاحة بالجنيه وما يترتب عليه من ارتفاع في أسعار السلع خاصة المنتجات الغذائية ما يعود بالضرر على المواطن . قرار خاطئ في حين يقول الخبير الاقتصادي، حسين السويدي،إن السياسة المالية للحكومة الحالية غير واضحة، والتي تؤكد أن قرارها بشأن خفض قيمة الجنيه سيحقق التوازن، في حين أن هناك اقتصاديين يرون أن النظام بعد هذا القرار يسير في اتجاه الخط العشوائي، وجاء ذلك تعقيبا على خفض البنك المركزي سعر صرف الجنيه أمام الدولار بـ112 قرشًا، والذي وصل سعره إلى 9 جنيهات. وأضاف السويدي أن أي إجراء اقتصادي أو مالي للجنيه يرتبط بمدى انعكاسه على أسعار السلع الاستهلاكية للشعب ويؤثر على كل المنتجات في الأسواق، مضيفا أن القرار الذي أصدره البنك المركزي سيؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار إذا لم تكن هناك خطة واضحة من قبل الحكومة لمواجهة تبعات هذا القرار. أين الرقابة؟ ومن جانبه يؤكد محمد فاروق، الخبير الاقتصادي، أن خفض قيمة الجنيه أمام الدولار له تأثير واضح على محدودي الدخل، مشيراً إلى أن الحكومة تواجه العديد من التحديات في هذا الشأن، وبالتالي فهي غير قادرة على مواجهتها، لافتاً إلى أن الكوادر المسؤولة عن إنقاذ العملة المحلية غير مؤهلة لحلها خلال الفترة المقبلة، خاصة أنه لا توجد شفافية واضحة في آليات التعامل مع الأزمات من جانب المسؤولين التنفيذيين في هذا الشأن. وأوضح أن الرقابة دورها غائب تماماً خلال الفترة الحالية، كما أنها تعمل في جزر منعزلة عما يحدث في السوق، لافتاً إلى أن أزمة انخفاض القيمة الشرائية للجنيه لها تأثير واضح على محدودي الدخل، كما أن البنك المركزي غير معني بتوفير العملة الأجنبية " الدولار" موضحاً أن الوزراء جميعاً يجب أن يعملوا على تهيئة المناخ الحقيقي للمستثمر الأجنبي وبالتالي هناك عدم مصداقية للعمليات الاقتصادية من جانب الوزراء، كما أنها جميعها نتائج سلبية خلال الفترة الماضية. الرقابة على أسواق النقد وطالب فاروق الحكومة بضرورة الرقابة على أسواق النقد، حتى لا تتفاقم المشكلة أكثر من ذلك، مؤكداً أن البنك المركزي المصري عمله الأساسي يتمثل في وضع السياسات النقدية للدولة، وليس في تدبير العملة الأجنبية للسوق المصري، مشيراً إلى أن خفض قيمة الجنيه سوف يرفع الأسعار. وأوضح أن وضع هامش ربح للسلع وإلزام التجار بها يعود بنا إلى نظام التسعيرة في عصر الستينيات، وذلك في سوق مفتوح جداً لا يصعب بل يستحيل السيطرة عليها، مؤكداً أن الحل في هذا الشأن يتبلور في أن تقوم الحكومة ممثلة في وزارة التموين في طرح سلع موازية وبديلة بعيدة عن جشع التجار من خلال ما تملكه من منافذ بيع منتشرة في جميع محافظات الجمهورية. وقال فاروق: إن هذه الحلول سوف يكون لها تأثير محدود على محدوي الدخل لعدة أسباب من أهمها أن الحكومة المصرية لن تستطيع محاربة رفع الأسعار بسبب انخفاض المنافذ التسويقية لوزارة التموين، فضلاً عن الكميات التي توضع في هذه المنافذ غير كافية لسد حاجات محدودي الدخل، موضحاً أن مصر تستورد نحو 90% من الزيت ومن 60 إلى 70% من المواد الغذائية، وهو ما يستنزف السلطة التنفيذية في هذا الشأن ودعا الحكومة المصرية إلى مراقبة الأسعار مثلما فعلت مع شركات الصرافة. جذب المستثمرين فيما يرى الدكتور جلال حربي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة الأهرام الكندية بالقاهرة أن أزمة انخفاض القيمة الشرائية للجنيه لها تأثير واضح على محدودي الدخل، مشيراً إلى أن تخفيض قيمة الجنيه شيء طبيعي في السوق خلال الفترة الماضية لمقابلة القيمة الحقيقية للعملة الأجنبية "الدولار"، لافتاً إلى أن الآثار السلبية في هذه الشأن تتبلور في عدم دخول استثمارات أجنبية لمصر خلال الفترة المقبلة، وبالتالي يجب أن تعمل الحكومة لجذب العديد من الاستثمارات على أن تكون هذه الاستثمارات أكثر مشاركة في دعم الاقتصاد المصري. ترشيد الاستيراد وأوضح حربى أن التأثير الواضح الذي من الممكن أن يتأثر به قطاع كبير من محدودي الدخل هو استيراد الحكومة السلع الأساسية من الخارج، حيث إن هذه السلع جميعها سوف يتم استيرادها بالعملة الأجنبية وكل ذلك سوف يتم تحميله على محدودي الدخل، مشيراً إلى أن الحكومة يجب أن تراعي هذا الأمر حتى لا تحمل المواطنين أعباء لن يقدروا عليها من مصاريف شحن أو نقل أو خلافه من القرارات التي تجبر محدودي الدخل على دفعها، فمصلحة المواطن يجب أن تدرس جيداً من جانب أصحاب القرارات. وقال الدكتور حربي إن الرقابة في هذا الشأن أمر مطلوب وضروري حتى تعيد المنظومة على الطريق الصحيح، وبالتالي يجب على الحكومة أن تعمل على ترشيد عمليات الاستيراد لافتاً إلى أن قرار رفع الفائدة 15% للمبالغ الدولارية جيد بكل المقاييس، حيث لأن من شأنه تحويل أموال المؤسسات والأفراد أموالهم من العملة الأجنبية إلى الجنيه المصري، كما أنه يعمل على تزويد مصر من العملة الأجنبية خلال الفترة المقبلة. ويؤكد الدكتور ياسر جاد الله، أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان أن محدودي الدخل سوف يتأثرون بأزمة انخفاض القيمة الشرائية للجنيه، حيث إن جميع السلع المستوردة سوف ترتفع أسعارها بشكل كبير.