العوامل الرئيسة التي تخلق حالة الحسد
1 ـ اللؤم والخبث وسوء الطباع :
إنّ النفس أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي ، فالذي تحزنه أفراح الناس ويسرّه شقاؤهم ، ويتمنّى ـ من أعماقه ـ لو تمحق النعمة التي أنعم الله بها عليهم ، أو اكتسبوها بجهدهم الجهيد ، إنسان سيِّئ السريرة ، أي انّه يعيش حالة من المرض الاخلاقي الذي يجعله يرى النقص والذلّ في نفسه ، ويرى الآخر وهو منعّم بما هو محروم منه فيحسده تارة بالرغبة بأن تنتقل النعمة إليه ، وتارة بأن تتلاشى آثار النعمة عنه ، وكلا التمنيين خبث ودليل على الطبع السقيم .
2 ـ التنافس والمزاحمة :
ولمّا كانت الدنيا دار لهو ولعب وتفاخر وتكاثر ، فإنّ السباق فيها محموم لدرجة الرغبة الطاغية لدى بعض المتسابقين أن يروا منافسهم مصاباً بإصابة معيقة حتى لا يدخل معهم ميدان السباق . فالتنافس إمّا أن يكون شريفاً بحيث يقود إلى النتائج الطيبة ويستنفر الطاقات
ويطوّر الإمكانات والمواهب في طريق الخير والإبداع وهو الذي عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى : (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون )(1).
وإمّا أن يكون تنافساً مريضاً يؤدي إلى الحسد والبغضاء والتحاقد وربّما انتهى إلى الثأر والانتقام . ولذا تجد أنّ التحاسد بين أصحاب الحرفة أو المهنة الواحدة على أشدّه ، لأ نّهم يتنافسون على الزبائن وكسب السمعة وزيادة الأرباح ، وإزاحة المنافسين عن الطريق باتباع أساليب رخيصة في التشويش والتشويه ، فما لم يتمكّنوا من تحقيقه في خط مستقيم لا يتورعون عن بلوغه في السير بخط مائل .
3 ـ الأنانيـة :
فالحسود لا يفكّر إلاّ بنفسه حتى وهو يفكّر بالمحسود ، ذلك لأنّ تفكيره ينصبّ على مزايا الشخص المحسود لأ نّه يشعر بالنقص ويرى الكمال في محسوده ، في الوقت الذي يتوق فيه بل يتحرّق إلى أن يكون المتفوّق المتفرّد بين أصحابه وأقرانه ، ولأ نّه لا يرى إلاّ نفسه فهو لا يطيق رؤية غيره أفضل منه حتى ولو كانت أفضليته في شيء تافه أو حطام دنيوي لا قيمة معتبرة له .
4 ـ استكثار النعمة :
فالحسود يستكثر النعمة التي يتمتع بها المحسود ، وربّما رأى أ نّه لا يستحقها وبالتالي فهو يتهم الله في عدالته ، وكنتيجة لذلك تراه يزدري الحسود وينتقص من قدره ، ويحاول بصورة وبأخرى أن يشوّه نصاعة النعمة أو المزيّة التي يمتاز بها محسوده في محاولة خبيثة لذرّ الرماد في العيون حتى لا يرى غيره حسنات محسوده فيعجبون به ويميلون إليه .
5 ـ التقدير السيِّئ للأمور :
الحسود لا ينظر إلى الأمور نظرة طبيعية ، فالحسد الذي يغلي في داخله يجعله يبالغ في تقويم النعم والمزايا والمواهب التي يمتلكها الآخرون للدرجة التي يتصور معها أ نّه يتعذّر عليه الوصول إلى ما وصلوا إليه ، وهذا هو السبب الذي يدفعه إلى أن يتمنّى نسف تلك المزايا والنعم عنهم حتى لا يبدو الفارق كبيراً بينه وبين محسوديه .
ولو أنّ الحسود أعاد النظر في الأمور المبالغ فيها ، ورأى أنّها تقع في حدود الإمكان ، وأ نّه وإن افتقد بعض ذلك ، فهو يمتاز على غيره بما يفتقدونه ، وبالتالي فإن هذه النظرة المتوازنة سوف تجعله يحاصر خواطر الحسد في نفسه بل ويحاسبها عليها حتى لا تتحوّل إلى حالة سلبية ضاغطة تتحكم في مشاعره وسلوكه
أضـرار الحـسد :
هناك نقطة جوهرية تسترعي انتباه الشبان والفتيات إليها ، ليس في الحسد وحده بل في سائر الأمراض الأخلاقية الأخرى ، وهي أن أيّ مرض من هذه الأمراض ، ونسمّيه مرضاً لأ نّه ليس حالة طبيعية أو سويّة أو صحّية ، هو مرض نفسيّ أو روحيّ ، وقد ثبت علمياً أنّ المرض النفسي ذو انعكاسات سلبية ـ طفيفة أو حادّة ـ على سلامة الجسم وأجهزته العضوية .
فما من مرض نفسي أو أخلاقي يصاب به الانسان إلاّ وتطفو آثاره على الجسد مرضاً ما . وقد يستخفّ البعض من المرضى بتشخيص الطبيب إذا قال له : إنّ هذا المرض الذي تعاني منه ولنفترض أ نّه (القرحة المعوية) هو مرض نفسي ، أو أنّ (الأرق) الذي يلازمك له أسباب نفسية . فقد تكون هناك أسباب وعوامل أخرى تؤثر على الصحّة البدنية ، إلاّ أنّ (الحسد) مثلاً يخلق حالة من التسمّم النفسي الذي يؤثر على إفرازات المعدة وأدائها فيربك عمليات الهضم والتمثيل ، وإذا اضطربت المعدة جرّاء الوضع النفسي الذي ينتجه الحسد أو غيره ، فإن ذلك سينعكس كمرض عضوي في واحد أو أكثر من أجهزتها الدقيقة والمتأثرة بما يجري في الخارج ، حيث ثبت أيضاً أنّ الأمراض المذكورة تزول بزوال المؤثر ، وقد لا تنفع معها الأدوية والعقاقير والمسكّنات ، فيما تنفع معها أساليب العلاج النفسي والابتعاد ـ ما أمكن ـ عن مواطن الإثارة ، وإلاّ ما الربط بين (الأرق) وبين قراءة القرآن ، أو الإكثار من الذكر ، أو الصلاة ، أو قراءة بعض الأحاديث والروايات ، أو بعض الأدعية ؟!
من ذلك نخلص إلى أنّ أضرار الأمراض الأخلاقية لا تنحصر في التسبّب باضطرابات نفسية وإنّما لها أعراض جانبية جسدية أيضاً ، ويمكنك التأكّد من ذلك من خلال قراءة المجلاّت أو النشرات الطبية والصحّية المتخصّصة التي تقدِّم نتائجها على ضوء دراسات ميدانية أو سريرية أو استبيانية كاشفة عن ذلك .
مع تحياتي للجميع
منقووووووووووول
زمــــان الصمــــت