مصادر التشريع الإسلامي - بحمد الله - معروفة محفوظة، والسُنَّة المُطَهَّرَة هي ثانية هذه المصادر، بَيْدَ أَنَّها تعرضت في القديم لهجمات بعض المغرضين والجاهلين الذين اندفعوا وراء ميول نفسية وشبهات فكرية، واستجابوا لهَوًى كامن في نفوسهم، فصدق فيهم قول القائل :
إلا أنَّ الله عز وجل خَيَّبَ سعيهم، فَقَيَّضَ للسنة جهابذة نُّقَّادا عملوا على تمييز صحيحها من سقيمها، و بذلوا في ذلك جهدا تتفاخر به الأجيال، وسلكوا طُرُقًا هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، حتى ليستطيع الباحث المنصف أَنْ يجزم بأنهم أول من وضعوا قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض كلها، يقول الحافظ ابن كثير (ت: 774هـ) في حقهم:
" وليس لأهل الكتاب من الحُفَّاظ المتقنين الذين ينفون عن شريعتهم تحريف الغالين وانتحال المبطلين، كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء، والسادة الأتقياء والأبرار والنجباء من الجهابذة النُّقَّادِ ، والحُفَّاظ الْجِيَادِ ، الذين دَوَّنوا الحديث وحَرَّرُوه ، وبيَّنوا صحيحه من حسنه، من ضعيفه، مِنْ مُنْكَرِهِ وموضوعه، ومتروكه ومكذوبه، وعَرَفُوا الوضَّاعِين والكذابين والمجهولين، وغير ذلك من أصناف الرجال، كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي، خاتم الرسل، وسيد البشر، أَنْ يُنْسَب إِلَيْهِ كذبٌ أَوْ يُحَدَّثَ عَنْهُ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ ، فَرَضِيَ اللَّهُ عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم"([1]).
- ومن الخطوات التي ساروها في سبيل النقد حتى أنقذوا السُنَّةَ مِمَّا لحق بها : الاهتمام بإسناد الحديث، وبيان حال رواته، ووضع قواعد عامة لتقسيم الحديث وتمييزه، وتأليف الكتب التي تُسَهّل التعرف على درجة الحديث، وقد انتشرت هذه الكتب بين القاصي والداني بحيث أصبح ﻣﻦ السهل ﻋï».ï»° كل طالب علم وواعظ وخطيب وباحث أَنْ يرجع اليها إذا أراد أَنْ ينسب حديثا إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم، و يُخْشَى على من أهمل ذلك أو قصر فيه أَنْ يكون له حظ وافر من الوعيد الثابت في تحريم الكذب على الله ورسوله.
يقول شيخ الْإِسْلَامِ ابن تيمية (ت: 728هـ) «وكذلك مِمَّا حَرَّمَهُ الله تعالى أن يقول الرجل على الله ما لا يَعْلَمُ ؛ مثل: أن يَرْوِيَ عن الله ورسوله أحاديث يَجْزِمُ بها وهو لا يَعْلَمُ صِحَّتَهَا»([2]).
ويرى العَلَّامَةُ ابن القَيِّم (ت: 751هـ) أَنَّ هذا الْمَسْلَكَ فيه من الخطورة مافيه ، فيقول:« وهكذا لا يَسُوغُ أَنْ يقول: قال رسول الله، لما لا يَعْلَمُ صِحَّتَهُ ولا ثِقَةَ رُوَاتِهِ ، بل إذا رأي أي حديث كان في أي كتاب؛ يقول: « لقوله صلى الله عليه وسلم »، أو: «لنا قوله صلى الله عليه وسلم»، وهذا خطر عظيم، وشهادة على الرسول بما لا يعلم الشاهد»([3]).
وكثيرا ما يَطْرُقُ أسماعنا استشهاد بعضهم بحديث :( إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جُنْدًا كَثِيفًا، فذلك الجند خَيْرُ أَجْنَادِ الأرْضِ. فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال : لأنهم في رباط إلى يوم القيامة ) ،