تفسير ابن عثيمين - منتديات حروف العشق © عالم الأبداع والتميز

 ننتظر تسجيلك هـنـا

 

 

( إعلانـــاتــنـآ)  
     
     
   

 

{ ❆فَعِـاليَـآتنـــا ❆ ) ~
                      

 

 



 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
#1  
قديم 12-Sep-2023, 03:40 AM
سلطان الزين غير متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
معرض الوسام
50 35 30 
 
 عضويتي » 6535
 جيت فيذا » Nov 2017
 آخر حضور » اليوم (08:13 AM)
آبدآعاتي » 51,694
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
 التقييم » سلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond reputeسلطان الزين has a reputation beyond repute
 
افتراضي تفسير ابن عثيمين

Facebook Twitter


﴿۞ وَٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُوا۟ بِهِۦ شَیۡـࣰٔاۖ وَبِٱلۡوَ ٰ⁠لِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنࣰا وَبِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡجَارِ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالࣰا فَخُورًا﴾ [النساء ٣٦]
ثم قال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ...﴾ إلى آخره.
﴿اعْبُدُوا﴾ العبادة: التذلل والتطامن والخضوع والتواضع وما أشبه ذلك، وكلها تدور على الذل، ومنه قولهم: طريق معبَّد؛ يعني مُذلَّلًا للسالكين مهيَّئًا لهم، والمراد بعبادة الله سبحانه وتعالى: القيام بأمره، القيام بأمره هو عبادته.
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ (لا) ناهية؛ والشرك أن يساوى غير الله بالله فيجعل ندًّا له، وقوله: ﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق النهي فتعم: لا تشركوا بالله نبيًّا ولا رسولًا ولا ملكًا ولا غيره، أيّ شيء، ثم النهي عن الشرك يشمل أي نوع من أنواع الشرك، وسيأتي إن شاء الله في استنباط الفوائد ما فيه الكفاية.
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ معنى ﴿لَا تُشْرِكُوا بِهِ﴾ لا تساووا غيره به فيما هو من حقوق.
﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ عطف حق الوالدين على حق الله عز وجل لأن حق الله أعظم الحقوق، وحق الرسول ﷺ أعظم من حق الوالدين لكنه داخل في حق الله؛ لأن العبادة لا تتم إلا بإخلاص ومتابعة، والمتابعة هي أداء حق الرسول عليه الصلاة والسلام. (الوالدين) تثنية والد، وهما: الأم والأب، ويدخل في ذلك الجد والجدة، ولكن حق الأقرب فالأقرب أولى من الأبعد.
وقوله: ﴿إِحْسَانًا﴾ مصدر أَحْسَنَ يُحْسِنُ، وهل الجار والمجرور متعلق به أو هو متعلق بفعل محذوف دل عليه المصدر؟ فعلى الأول يكون تقدير الكلام: وإحسانًا بالوالدين، ويكون المصدر هنا بمعنى الفعل، وعلى الثاني يكون التقدير: وأحسِنوا بالوالدين إحسانًا، وهذا أقرب أن يكون الجار والمجرور متعلقًا بمحذوف دل عليه المصدر الموجود؛ وذلك لأن عمل المصدر ضعيف فلا يسبقه معموله، فالمصدر لا يعمل فيما قبله، وعلى هذا فنقول: ﴿إِحْسَانًا﴾ مفعول مطلق عامله محذوف: أحسِنوا بالوالدين إحسانًا.
معاملة الوالدين لا تخلو من إحدى حالات ثلاث: إساءة، إحسان، لا إساءة ولا إحسان؛ والمأمور به هو الإحسان، وضده الإساءة، أو لا إساءة ولا إحسان، فلا بد من إحسان بالوالدين.
﴿وَبِذِي الْقُرْبَى﴾ (ذي) بمعنى صاحب، و﴿الْقُرْبَى﴾ بمعنى القرابة، والدليل على أن القربى بمعنى القرابة قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى ٢٣]؛ أي: المودة في القرابة، هذا هو الصحيح؛ أي: بسبب القرابة، أي: لا أسألكم عليه أجرًا، ولكن ودُّوني بسبب قرابتي منكم لأنني ابنكم. فهنا ﴿بِذِي الْقُرْبَى﴾ أي: بصاحب القرابة، فنص على الوالدين أولًا وثنَّى بالقرابة؛ وذلك لأنه لا قرابة لك إلا بواسطة الوالدين؛ من الذي وصلك بعمك أو بخالك أو بأخيك أو بأختك إلا الوالدان، فلهذا جُعِلت منزلة القرابة بعد منزلة الوالدين.
﴿وَالْيَتَامَى﴾ جمع يتيم، وهو من مات أبوه قبل أن يبلغ، أي: من مات أبوه قبل أن يبلغ؛ أي الولد، وإنما أمر بالإحسان إلى اليتامى لانكسار قلوبهم بفقد مربيهم وهو الأب، فأما من ماتت أمه دون أبيه فليس بيتيم.
﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾ جمع مسكين، وهو المعدِم من المال، ويدخل فيه هنا الفقير؛ لأن الفقير والمسكين كلمتان إن ذُكِرتا جميعًا اختلف المعنى فيهما جميعًا، وإن انفصلت إحداهما عن الأخرى صارت كل واحدة بمعنى الأخرى، وسُمِّي المعدِم مسكينًا لأن الفقر أسكنه وأذله -نسأل الله لنا ولكم العافية- الإنسان الفقير ذليل، ولهذا لا يطمع أن يصل إلى المرتبة التي وصل إليها الأغنياء إلا إذا كان فيه وصف يصعد به إلى درجة الأغنياء؛ فمثلًا: الإنسان الفقير يعرف نفسه أنه منحط الرتبة عن الأغنياء، لكن لو فُرِض أن هذا الإنسان الفقير شجاع مقدام صار هذا الوصف الذي فيه يرقيه إلى أن يكون في مرتبة الأغنياء أو أكثر، لو فرضنا أن هذا الفقير ذو علم صار في منزلة يرقيه إلى درجة الأغنياء أو أكثر، لكن مجرد كونه آدميًّا وهو فقير لا يطمع في أن ينال مرتبة الأغنياء؛ ولهذا وصى به الله عز وجل.
﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ الجار هو من كان قريبًا منك في منزلك، القريب في المنزل، الجار من كان قريبًا منك في المنزل، ومن المعلوم أنه يختلف قربه بحسب المسافة؛ ولكن القريب الجار إما أن يكون قريبًا منك في النسب أو بعيدًا، وأشار الله تعالى إلى الصنفين فقال: ﴿ذِي الْقُرْبَى﴾ أي: ذي القرابة.
﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ أي: البعيد؛ لأن الجيم والنون والباء كلها مادة تدل على البعد، فالمعنى: الجار البعيد الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: المعنى ﴿الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ القريب منك في السكن، ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ البعيد في السكن، ولكن المعنى الأول أصح، والمعنى الثاني يغني عنه قوله: ﴿وَالْجَارِ﴾؛ لأن الجار هو من قرب منك في المنزل، يُعلم منه أنه كلما قرب منك في المنزل كان أقرب جوارا٠
﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ الصاحب بالجنب يعني: الذي يصاحبك في جنبك، وقد اختلف المفسرون فيه فقيل: إنه الزوجة، وقيل: إنه صاحبك في السفر، واللفظ يحتمل المعنيين فيُحمل عليهما؛ فالإنسان مأمور بأن يُحسن بالصاحب بالجنب؛ أي: بالزوجة أو بالصاحب في السفر؛ لأن كلًّا منهما له حق بالصحبة.
﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ ﴿ابْنِ السَّبِيلِ﴾ أي: المسافر، و﴿السَّبِيلِ﴾: الطريق، وسُمِّي المسافر ابن سبيل لملازمته له -أي: للطريق- كما يقال: ابن الماء، لطير الماء الملازم للماء؛ فيه طيور الآن دائما تلازم الماء، دائما تحوم على البحار تلتقط ما يحصل من سمك وغيره، فيُسمَّى هذا الطير يُسَمَّى ابنَ الماء، يُسَمَّى المسافر الذي جدَّ به السير يُسَمَّى ابنَ السبيل؛ لأنه ملازم للطريق.
﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أي: أحسِنوا بما ملكت أيمانكم. كلمة (ما) اسم موصول؛ أي: والذي ملكت أيمانكم، والاسم الموصول يفيد العموم فيشمل ما ملكت أيماننا من الإنسان وما ملكت أيماننا من الحيوان، وكلاهما مأمور بالإحسان إليه، والإحسان إلى الإنسان أوكد من الإحسان إلى البهائم، ولهذا نجد أننا نقتل البهائم من أجل مصلحتنا؛ نذبح هذه الشاة نتفكَّه بها لحما.
وعلى هذا فنقول: ما ملكت الأيمان يشمل أيش؟ الإنسان والحيوان، ولكنه بالإنسان أوكد؛ لأن حق الإنسان أعظم من حق الحيوان.
ثم قال الله عز وجل في ختام الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ إن الله لا يحب الذي كان مختالًا، ﴿كَانَ﴾ هنا فعل ماضٍ لكنها مسلوبة الزمنية، والمراد: لا يحب من اتصف بالاختيال والفخر. والمختال في هيئته، والفخور بلسانه؛ فالاختيال يكون بالفعل والفخر يكون باللسان، فمن كان مختالًا بفعله فإن الله لا يحبه، ومن كان فخورًا بقوله فإن الله لا يحبه أيضًا، وختم الآية بهذه الجملة لأن الغالب أن من يستكبر عن عبادة الله وعن هذه الوصايا النافعة الغالب عليه أن فيه اختيالًا وفيه فخرًا واستنكافًا واستكبارًا، فلهذا ختم الله هذه الآية المشتملة على هذه الوصايا العظيمة بهذه الجملة ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾.
هذه الآية كما ترون فيها بيان الحقوق: حق الله وحق غيره من الناس وغير الناس.
* فمن فوائدها: وجوب عبادة الله؛ لقوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾، والأمر هنا للوجوب بالإجماع، ولا أحد ينكر، ولا أحد يمكن أن يقول: هذا الأمر للاستحباب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم الشرك؛ لقوله: ﴿وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.
* ومن فوائدها: أن الشرك بأنواعه صغيره وكبيره خَفِيَّه وجليَّه كله محرَّم؛ لقوله: ﴿وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، عامٌّ، وعليه يكون الرياء حرامًا لأنه شرك، ويكون الحلف بغير الله حرامًا لأنه شرك، ويكون تسوية الله بغيره حرامًا في مثل: ما لي إلا الله وأنت، وما أشبه ذلك لأنه شرك، والعلماء رحمهم الله كتبوا في هذا الموضوع -أي: في الشرك وأنواعه- كتابات كثيرة، من أحسنها كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ فإنه بيَّن أنواعًا كثيرة من الشرك.
* ومن فوائدها: أن الإثبات المحض لا يدل على التوحيد، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.
* الشيخ: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ أنه كما أمر بالعبادة قال: ﴿وَلَا تُشْرِكُوا﴾؛ وذلك أن الإنسان قد يعبد الله لكن يعبد غيره، فنقول: إذا عبد مع الله غيره فإنه لم يخلص العبادة لله، والمطلوب إخلاص العبادة له.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الإحسان إلى الوالدين؛ لقوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، ولكن التعبير القرآني يقول: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ولم يقل: وإلى الوالدين؛ لأن المطلوب مباشرة الإنسان بالإحسان إلى الوالدين لا إيصال الإحسان فقط؛ لو قال: إلى الوالدين إحسانًا، كان المطلوب إيصال الإحسان فقط، ولكن نقول: المطلوب الإحسان بالوالدين حتى في مباشرة إيصال الإحسان إليهما، يجب أن تكون محسنًا بذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أعظم حقوق البشر حق الوالدين؛ لأن الله جعله في المرتبة الثانية بعد حقه، ولا يرِد على هذا حق الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن حق الرسول داخل في حق الله، ووجهه أن العبادة لا تتم إلا بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا تحققت متابعة الرسول فقد أديت حقه، الرسول لا يسألنا أجرًا، إنما يسألنا أن نتعبد لله بما شرعه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم الإساءة إلى الوالدين؛ لأن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده.
وهل نقول من فوائدها أيضًا: أن من لم يُحسِن ولم يُسِئْ فهو مقصر؟ يمكن أن نقول هكذا؟
* طلبة: إي نعم، ممكن.
* الشيخ: نعم، من لم يُحسِن ولم يُسِئْ فهو مقصر؛ لأن الله أمر بالإحسان، وخلاف الإحسان شيئان: إساءة، وعدم الإساءة والإحسان، وهذا خلاف ما أمر الله به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الأمر بالإحسان إلى القرابة؛ لقوله: ﴿وَبِذِي الْقُرْبَى﴾، وفائدة إعادة الحرف حرف الجر ﴿بِذِي الْقُرْبَى﴾ الإشارة إلى أن الإحسان إلى القرابة مستقل؛ بمعنى أنه لو فُرِض أن الرجل ليس له والدان فحق القرابة ثابت، لا نقول: إن حقهما مبني على حق الوالدين تابع له؛ لأن الوالدين قد يكونان ميتين، فحق القرابة باقي.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأقرب فالأقرب أولى بالإحسان، من أين يؤخذ؟
أن الله قدَّم الوالدين وهما أقرب القرابات، هذه واحدة، فقياسًا على ذلك أن نقول: من كان أقرب من بقية القرابات فهو أحق، هذا وجه.
الوجه الثاني: أن المعلَّق على وصف يقوى بقوة ذلك الوصف ويضعف بضعف ذلك الوصف، والحكم هنا معلَّق على أيش؟
* الطلبة: القرابة.
* الشيخ: على القرابة، فكل من كان أقرب كان حقه أوكد، فصارت دلالة على أننا نقدِّم الأقرب فالأقرب من وجهين: الوجه الأول قياسي، والثاني معنوي. القياسي؟
* طالب: قوله سبحانه: ﴿بِذِي الْقُرْبَى﴾ (...) الوالدين.
* الشيخ: نعم، والوالدان أقرب القرابات. الثاني؟
* الطالب: ﴿ذِي الْقُرْبَى﴾ عُلِّق بوصف.
* الشيخ: أن الحكم هنا معلَّق على وصف، والقاعدة أن ما عُلِّق على وصف فإنه يقوى بقوَّته وينقص بنقصه، تمام.
* من فوائد الآية الكريمة: الأمر بالإحسان إلى الأيتام؛ لقوله: ﴿وَالْيَتَامَى﴾. والإحسان إلى الأيتام يكون بالمال ويكون بالقول ويكون بالفعل، يعني كغيرهم أيضًا، الإحسان يكون بالقول والفعل والمال والجاه وكل شيء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الأمر بالإحسان إلى المساكين؛ لقوله: ﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾.
وهل نقول في المساكين كما قلنا في القربى بأن من كان أشد مسكنةً كانت الوصية به أوكد؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: نعم؛ لأنه عُلِّق على وصف. واليتامى أيضا؟
* طالب: كذلك.
* الشيخ: كذلك؟
* طالب: اليتيم واحد.
* الشيخ: اليتيم لا يتنوع، اليتيم واحد؛ يعني من له أربع عشرة سنة ومن له سنة واحدة هما سواء في اليتم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الأمر بالإحسان إلى الجار سواء كان قريبًا أم بعيدًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ»(١)، فعلَّق الرسول عليه الصلاة والسلام الإيمان -يعني كمال الإيمان- على إكرام الجار، والإكرام ضد الإهانة.
ومن فوائد الآية الكريمة: الأمر بالإحسان إلى الصاحب بالجنب: الزوجات والأصحاب في السفر؛ لقوله: ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾.
وهل يمكن أن نقول ما قلنا فيما سبق في الأوصاف؟
نقول: نعم، لا شك، فالنساء -أعني الزوجات- تختلف صفتهن لأزواجهن، وكذلك المسافرون أصحاب السفر تختلف صحبته معك في السفر، فكل من كان أقْوَمَ بهذه الصحبة كان أحق بالإحسان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الأمر بالإحسان إلى ابن السبيل؛ لأن الغالب أنه يكون محتاجًا، وإذا قُدِّر اندفاع حاجته بغناه فإنه يكون غريبًا في البلاد، والغريب يحتاج إلى عناية، يحتاج إلى من يدله على الطريق، إلى من يدله على ما فيه مصالحه، فهو في حاجة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الأمر بالإحسان إلى ما ملكت الأيمان؛ لقوله: ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ من آدمي أو حيوان؛ لأنه كله ملك لأيماننا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز التعبير بالبعض عن الكل؛ لقوله: ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، والمراد: ما ملكتم، لكن هذا شيء معلوم.
هل نأخذ من هذه الآية الكريمة: تحريم الإساءة إلى من ذُكِر؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: وجهه؟ أن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، فإذا كان الله تعالى أمر بالإحسان إلى هؤلاء فالإساءة إلى هؤلاء محرَّمة، ومِن أشد ما يكون الإساءة إلى الوالدين، ثم ذي القربى، ثم اليتامى، ثم المساكين، ثم الجيران، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ -أو قال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ- مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»(٢)؛يعني ظُلمه وغشمه، فنفى الإيمان عن الشخص الذي لا يأمن جاره بوائقه، فكيف بمن أصابته بوائق جاره! يكون أشد، نسأل الله السلامة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عناية الله سبحانه وتعالى بعباده من وجوه في هذه الآية؛
أولًا: من جهة القيام بالحق في الوالدين والقرابات.
وثانيًا: من جهة جبر النقص الذي يحصل على بعض الناس مثل المساكين واليتامى.
وثالثًا: أن حسن الجوار سبب للالتحام والالتئام بين الناس وعدم الكراهية والبغضاء، ولهذا يوجد في وقتنا الآن مع الأسف أن كثيرًا من الجيران لا يعرف جاره، ولا يدعوه في المناسبات، ولا يرسل إليه الهدايا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ»(٣)، وهذا مع الأسف غير موجود مع أنه فيه فائدة اجتماعية عظيمة؛ فهو من عناية الله بالخلق.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى أرحم بالإنسان من أولاده، من أين يؤخذ؟
* طالب: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾؛ حيث أمر الولد أن يُحسن إلى والده، وهذا يدل على أن الله أرحم بالإنسان من أولاده، كما أن قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ [النساء ١١] يدل على أن الله أرحم بالإنسان من والديه، وهذا هو الواقع؛ «كانت امرأة فقدت صبيًّا لها في السبي، فجاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام المدينة تنظر في السبايا وقد زاغ عقلها، فلما وجدت صبيها أخذته وضمَّته على صدرها، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: « أَتَرَوْنَ هَذِهِ تُلْقِي وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟». قالوا: لا يا رسول الله، لا يمكن، قال: « اللَّهُ بِعِبَادِهِ أَرْحَمُ مِنْ هَذِهِ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا» -اللهم لك الحمد- « اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا »(٤). ولا يصيبنا ما أصاب -ما يصيبنا مما يخالف الرحمة- إلا بأسباب ذنوبنا؛ ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى ٣٠].
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات محبة الله. منين؟
* طالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾.
* الشيخ: هذا نفي للمحبة.
* الطالب: المعنى مفهوم المخالفة أنه يحب من ليس مختالًا ولا فخورًا.
* الشيخ: لكن لو قال قائل: هذا نفي وليس بإثبات، ماذا تقول؟
نقول: لو كانت المحبة منتفية ولا تجوز على الله لم يكن لنفيها فائدة هنا، وعلى هذا فإنها تدل على إثبات المحبة لله، ومذهب السلف وأهل السنة إثبات المحبة لله حقيقة وأنه جل وعلا يحب، وأن محبته تتعلق بالأعمال، وتتعلق بالأشخاص، وتتعلق بالأزمنة، وتتعلق بالأمكنة؛ فقد سئل الرسول عليه الصلاة والسلام:« أيُّ العملِ أَحَبُّ إلى الله؟ قال: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا»(٥)، وهذا تعليق المحبة بماذا؟
* الطلبة: بالعمل.
* الشيخ: بالأعمال.
وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾ [الصف ٤].
* الطلبة: بالأشخاص.
* الشيخ: بالأشخاص المعيَّنين بالوصف.
وتكون بالأشخاص المعيَّنين بالشخص كقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا»(٦)، والْخُلَّة أعلى أنواع المحبة.
وتكون معلَّقة بالأماكن؛ «أَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا»(٧).
وربما تكون متعلقة بالزمن مثل قوله: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ»(٨)، فإن الزمن كان محبوبًا إلى الله فيها لأن الله يحبها، وفي هذا الاستدلال ضعف، لكن على كل حال محبة الله عز وجل تكون مقيَّدة بما قيَّده الله به، فهي ثابتة لله حقًّا.
* طالب: القول؟
* الشيخ: القول من الأعمال.
* الطالب: لقوله ﷺ : «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ»(٩)..
* الشيخ: إي، أقول: القول من الأعمال، إي نعم.
طيب، هل أحد من الناس أنكر المحبة؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم، أنكرها المعطلة من الأشاعرة والمعتزلة والجهمية ومن شابههم؛ قالوا: لا يمكن الله يحب؛ المحبة لا تكون إلا بين شيئين متناسبين؛ يحب الرجل زوجته، يحب ابنه، يحب صديقه، ولا تناسب بين الخالق والمخلوق. فكيف يحب الله الشخص؟ كيف يحب الرسول؟ كيف يحب كذا؟
طيب في القرآن؛ قالوا: المراد بالمحبة إرادة الثواب أو الثواب نفسه.
طيب إذا قلنا: إرادة الثواب، فالإرادة لا تكون إلا على شيء محبوب؛ يعني إرادة الثواب لا تكون إلا على شيء محبوب؛ هل يريد الله أن يثيب أحدًا وهو يكرهه؟ لا يمكن، إذن ما دمتم أثبتم الثواب يلزمكم أن تثبتوا المحبة؛ إذ لا يمكن أن تكون إرادة الثواب أو الثواب نفسه إلا على شيء محبوب لله.
وأما قولكم: إن المحبة لا تكون إلا بين شيئين متناسبين، فقول باطل؛ فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»(١٠)، والجبل كومة من الأحجار والأتربة وغيرها، جماد، ومع ذلك قال: «يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»؛ وكذلك أيضًا حيوانٌ يحبُّه الإنسان وهو يحبُّ الإنسان، كون الإنسان يحبه واضح؛ كثيرًا ما تحب مثلًا هذه البعير؛ بعيرك على بعير غيرك، أو شاتك على شاة غيرك، هذا واضح، لكن هي تحبك؟ كيف؟ مشاهدٌ هذا؛ البعير تأتي إلى راعيها –صاحبها- من بين الناس، تأتي إليه وتَدَلَّكُ به وتستجديه، وقد شوهد في الإبل أن الإنسان إذا أراد أن ينام في الليالي الباردة يجعل البعير بينه وبين الريح وينام تحتها؛ تحت البعير في حضنها، وأن البعير -يعني- تميل عليه لتكون عليه كالغطاء، يحدثنا بذلك أهل الجِمال يقول: ترجع عليه حتى يدفأ منها وتقيه الريح. وهذا يدل على أنها تحبه، لو كانت تكرهه طحنته، ما راح تقيه البرد.

(١) أخرجه البخاري (٦٠١٩) من حديث أبي شريح العدوي، ومسلم (٤٧ / ٧٤) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه البخاري (٦٠١٦) من حديث أبي شريح، ومسلم (٤٦ / ٧٣) من حديث أبي هريرة، وأحمد في مسنده (١٢٥٦١) من حديث أنس.
(٣) أخرجه مسلم (٢٦٢٥ / ١٤٢) من حديث أبي ذر.
(٤) متفق عليه؛ البخاري (٥٩٩٩) ومسلم (٢٧٥٤ / ٢٢) من حديث عمر بن الخطاب.
(٥) متفق عليه؛ البخاري (٥٢٧) ومسلم (٨٥ / ١٣٩) من حديث ابن مسعود.
(٦) أخرجه مسلم (٥٣٢ / ٢٣) من حديث جندب.
(٧) أخرجه ابن حبان في صحيحه (١٦٠٠) من حديث أبي هريرة، والبزار في مسنده (٣٤٣٠) من حديث مطعم بن عدي واللفظ له.
(٨) أخرجه الترمذي في السنن (٧٥٧) من حديث ابن عباس، وأحمد في مسنده (٦١٥٤) من حديث ابن عمر.
(٩) متفق عليه؛ البخاري (٦٤٠٦) ومسلم (٢٦٩٤ / ٣١) من حديث أبي هريرة.
(١٠) متفق عليه؛ البخاري (٢٨٨٩) ومسلم (١٣٩٣ / ٥٠٤) من حديث أنس.



 توقيع : سلطان الزين

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفسير قوله تعالى : قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا . خيال حروف الإعجاز العلمي في القرآن الكريم۞ 9 06-Feb-2024 09:19 AM
علامات الساعة الكبري ( الأرضية ) خيال حروف نسائم ايمانية۞ 11 14-May-2023 08:07 AM
تفسير قوله تعالى : الطيبون للطيبات خيال حروف الإعجاز العلمي في القرآن الكريم۞ 8 22-Dec-2022 01:57 AM
تفسير : (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) خيال حروف الإعجاز العلمي في القرآن الكريم۞ 11 27-Nov-2022 09:55 PM
تفسير: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ) خيال حروف الإعجاز العلمي في القرآن الكريم۞ 11 27-Nov-2022 09:55 PM


جميع الأوقات بتوقيت GMT +4. الساعة الآن 10:01 PM.



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas